(ولنبلونكم بشيءمن الخوف والجوع ونقص في الاموال والانفس والثمرات وبشر الصابرين *الذين اذا اصابتهم مصيبه قالوا انا لله وانا اليه راجعون*أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمه واولئك هم المهتدون)
جرى الأمر المحتوم (لكل اجل كتاب)،وانتقل الاستاذ والمربي والقائد التربوي والمناضل الوطني الاستاذ ناجي احمد محسن إلى جوار ربه ،مشيعا بالدعوات له بالرحمه والمغفره ،ومزكيا بأعماله الوطنيه والمتميزة ،والتي خدم بها أبناء مديريته،بل وعموم وطنه وبمستوى لم يرتقي اليه غيره،وبنوعيه ستظل خالده في شغاف القلوب ،وان كان قد غادرنا جسدا فإنه باق معناومع الأجيال المتعاقبة ،بانجازاته التي حقق من خلالها تصدره مرتبه الاوائل،ومالم يحققه السابقين ،او سيصل إلى مستواها اللاحقين،
تشاطرت مع الاستاذ ناجي احمد محسن الكثير من الاحاسيس والمشاعر،وكنا نتبادل الأفكار والهموم والارآء ،بل وكل ذي شأن يمت بصله إلى العمليه التربويه والتعليميه ،وليس أدل على ذلك من الظروف التي احاطه بنا في عام 1994م ،وعندما كنت اعاني من ظروف قاسيه بسبب عزلي من عملي كمدير للتربيه والتعليم مديريه ردفان ،فكان الاستاذ العزيز ناجي احمد الوحيد من كوادر التربيه والتعليم الذي يناقش وضعي مع الجهات المسؤوله ،وتقديم المقترحات لاعاده الاعتبار لي ،وآخرها تقديم مقترح للاخ صالح سريع علي للاستعانه بي لحل المشاكل التي علقت بتعيين مدير للتربيه والتعليم مديريه طور الباحه ،وذلك في نهايه عام 2000م ،وفعلا فقد أخذ الاخ صالح سريع على هذا المقترح ،وتم تعييني مديرا للتربيه والتعليم م/طورالباحه ،وكنت في مستوى الامل والثقه الممنوحه ،بل وفي مواجهه التحدي الذي لوكان اعترض غيري لماكتب له النجاح الذي حققته.
ولقد كتب لي برساله واتس وبالتحديد يوم23/يونيو/2020م بأنه سيزورنا وبصحبه المناضل قاسم حمود (قيادي في الحراك من حالمين ومناضلي حرب التحرير ورجل الخير)وسنذهب معا لزياره الاخ العزيز راجح سلمان ،ولذلك فقد كانت المفاجأه كبيره لي ،وانا اقرأ خبر وفاته،فكان حزني شديدا عليه،وعندما ذهبت إلى حالمين لتعزيه أسرته ،فقد ابتسمت ،وكانت أحاسيسي ومشاعري تفيض بالاعتزاز والتعزي ،وانا اشاهد الناس ارتالا تتابع كامزان المطر،ويتزاحمون في الوصول لتقديم تعازيهم ،ويعبروا عن فاجعتهم برحيله ،ويبادلوه الوفاء بالوفاء.
مع الاستقلال الوطني في 30/نوفمبر /1967م ،فقد كانت مديريه حالمين تعيش وضعا مختلفا عن بقيه مديريات ردفان ،واللاتي كنا شهدنا بصيصا من نور التعليم في شكله الأولي ،ذلك أنها حتى 1969م لم يوجد فيها أي مدرسه حكومي أو خدمات اخرى تذكر،وكان مستبعدا ان نجد فيها من يحسن القراءه والكتابه،ولذلك فقد كان الاندفاع إلى التوسع سريع في التعليم،وكرد فعل لتاريخ طويل بالجهاله حافل ،ومع الجهل صاحباه الدائمان الفقر والتخلف ،فكان افتتاح 11مدرسه في1969م ،وباشراف ومتابعه الاخ المناضل عبدالله مطلق ،وكان كل المعلمين منتدبين من أبناء الحوطه وتبن والصبيحه أو المحافظات والمديريات الأخرى ،ولم يكن هناك أي معلم من أبناء حالمين ،بل أنه لم يكن موجود شيء يذكر من مقومات العمليه التربويه والتعليميه،وكان الاخ ناجي احمد محسن اول الملتحقين في السلك التربوي من أبناء مديريه حالمين .
وكان قد بداء ارتباطه بالتربيه والتعليم من أسفل السلم الوظيفي معلما في مدرسه الرباط،ثم نائب مدير المدرسه ،ثم نائب لمشرف محو الاميه ،وهذه المهام تولاها في عام 1975م،وفي سبتمبر 1976م،عين مساعد مشرف تعليم للمركز الرابع (مدير التربيه والتعليم لمديريه حالمين لاحقا )،وليكون امتدادا للاخوة مسؤولي التعليم السابقين طيبي الذكر(الاستاذ صالح نصيب،الاستاذ محمد صالح ناصرالداعري،الاستاذ حسن عطا ،الاستاذ عبده سعيد حميد،الاستاذ سيف محمد علي ،الاستاذ امين محمد سيف،الاستاذ احمد صالح قاسم الصلفوح،الاستاذ حسين علي عباد)،وكنت حينها مشرفا للتعليم للمديريه الشرقيه (مديريات ردفان الأربع ومديرية يهر)،فوجدته شابا يزخر حيويه ونشاط وحماس ،وطموحا ووطنيه ،ومدركا لحجم الصعوبات المرافقه للعمليه التربويه والتعليميه،والتي من أبرزها قضيه الكادر التربوي والتعليمي،والتي كان الاستاذ عبدالواحد عبدالله عباد مديرا عاما للتربيه والتعليم المحافظه آنذاك ،يوليها اهتماما خاصا بل ويعتبرها معيارا من معايير نجاح أي كادر قيادي للتربيه والتعليم ،بل أننا كنا نسعى إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي على ثلاثه مستويات (المديريه -المركز-المنطقه)،وكنا ندرك أنه ليس من اليسير تحقيق أحدها،ولكن بالرغم من ذلك فقد كان طموحنا مشروعا ...
ادرك الاستاذ ناجي مبكرا الوضع الذي تفردت به حالمين،وعن بقيه المناطق الأخرى ،وانه لاحل له ولالمن حوله ولمجتمعه الافي التربيه والتعليم،فزهد عن بهاريج الحياة الفانيه،ودرب نفسه على التجدد والتطهر،وسلك فيها طريق الكفاح والعمل والجهاد والاجتهاد ،بجد ،وسعي،وسهر،ونكران ذات،وايثار،وتضحيه ،وارتفع بنفسه عن الصغائر والضغائن ،ولذلك فقد انتصر في كل الحروب التي خاضها مع نفسه،او مع الآخرين،ومضى بالتربيه والتعليم لتحقيق الغايات المرجوة ،والتي حمدالله أنه وجد ثمارها يانعه،ولمس أثرها في تغيير حياة مجتمعه بل وتعديها إلى رحابة الوطن ،ولم يخلد إلى السكينه ويرتاح ،الابعد أن صار الوضع التربوي والتعليمي في مديريه حالمين نموذجا متقدما،وعلى مستوى الوطن عموما،وصارت مخرجاته تمتد إليها الاعين،ويشار إليها بالبنان،في قدراتها المتميزه ،وكفاءتها النوعيه ،وتواضعها الجم،وعلى كل صعد التنميه والمواقع القياديه ،والاعمال والمهام التخصصيه ،ويحمل الخير والتفاؤل،بحياة كريمه للإنسان ،وبالازدهار والنماء لعموم الوطن....
كان الاستاذ ناجي احمد محسن قائدا إنسانيا واداريا،ومتقيدا بأخلاق المهنه،وقائدا ميدانيا،ومثقفا ،وناشطارياضيا ،ولتوفر هذه الصفات والمميزات فيه ،فقد كان القائد الذي كسب القلوب،وتطلعت اليه الأعين ،وتحقق لعمله النجاح والثمرات اليانعه.
لقد كان قائدا إنسانيا وإداريا...وذلك في مواقفه الانسانيه مع العديد من ابناء مديريته ومن خلال مساعدته للفقراء والأيتام وأبناء الشهداء والمناضلين ،ومراعاته لمصالحهم في مواقف وإجراءات عدة وبالذات بحرصه على استمرار دراستهم وفي تقديم المساعدات لهم عند توفر الامكانيه،وفي تبنيهم وتزكيتهم لدى الجهات المسؤوله ،واذا كانت تعوزنا الإمكانية لبسط هذه المواقف ،فاننا على ثقه بان الكثيرين ممن مستهم سيذكروها في ذكرياتهم مع هذا القائد الاستثنائي ،وفي الصداره من تلك المواقف انتقاله بأسرته من قريته(الحنكه)إلى عاصمه المديريه (حبيل الريده)،ليكون اول مسؤول يستقر بأسرته فيها،ويقدم خدمات التغذيه على نفقته الخاصه لزملائه المسؤولين بالمديرية ،وكذا الوافدين من المسؤولين ،وذلك عندما كان حبيل الريدة فضاءا لايتوفر فيه اي خدمات تذكر ..
وكقائدا إداريا ناجحا فقدعمل على تكوين إدارة التربيه والتعليم باقسامها،وبالاختيار الموفق لكوادرها،وبتحديد المهام والتخطيط للعمليه التربويه والتعليميه،ولعموم المؤسسات المدرسيه والأقسام في المديرية ،سوى على المدى البعيد ،او المتوسط،او القريب،ومنظما للتنفيذ،ومقيما للنتائج،وشكل مجلس التربيه ولجنه محو الاميه في المديريه ،وذلك لإشراك المنظمات الجماهيريه والمرافق والسلطه المحليه في العمل التربوي والتعليمي ومحو الأمية ...
وبذلك ..فقد أرسى للتربيه والتعليم نظاما إداريا وفنيا لم تحظى بمثله إدارة أخرى في المديرية..
وكان متقيدا بأخلاق المهنه في ثبات الشخصيه ،وفي الاخلاص للعمل،وفي الحرص على تاديه الواجب،وفي استقامة السلوك،وفي الحرص على الملكية العامة ،وكان حازما عندما يتطلب مساحة العمل ذلك ،وفي المقابل لينا ومتسامحا تجاه أي فعل لايجد فيه ضررا أو تأثيرا على واجبه،وكان لايتردد في إعطاء الرأي الصريح والنقد الناضج ،ولذلك ...فإنه لم يحقق لنفسه منفعه شخصيه،ولم يؤذي بمسؤليته أحد ،او يقوم بأي عمل يشوه وظيفته،ولم يأذن لنفسه أو لغيره بإعطاء شهادة مزورة،او تأكيدا كاذبا ،او يتقاضا عن أي عمل يخل بالنظام ..وبهذه الصفات والمميزات ،والتي اقتصرت على ذكر بعضا منها ،فقد نال التقدير والرضى من الجميع ،واحاطت بشخصيته الهيبه والوقار .
وكقائدا ميداني ...فقد قدر له أن يجوب الطبيعه الجغرافيه الصعبه،مشيا على الأقدام ،ولم تثنيه الجبال الشاهقة أو الوديان المترامية ،او انعدام الطرقات ،عن زيارة المدارس المسؤول عنها فتحظى كل مدرسة بزيارتان سنويا ،او على الاقل زيارة واحده عندما تحيط به الظروف ،وتمنعه من تحقيق الزيارة الثانيه .
وفي نزوله التفتيشي والتفقدي للمدارس ..فقد كان في أغلب برامج نزوله يصحب معه فريق التوجيه ،وكان يحرص على تفقد حال الطلاب ،في موقفهم من الدراسه،وفي وحدة زيهم المدرسي ،وفي وضع كراساتهم ،وبما هم عليه من النظام والنظافة ،وبما تمثله من رديف الكتب المدرسية التي يحرص على للاطلاع على كفايتها ،وعلى الحفاظ عليها ،ولايفوته الاطلاع على نظافة الغرف الدراسيه،والاساليب التربوية المتبعه في المدرسة(ومنها العلاقة المدرسيه ،والعلاقه المجتمعيه ،والطابور الصباحي ....الخ)كما يحرص على للاطلاع على عمل المعلمين ،وموقفهم من العمل ومن تأدية واجباتهم ،ومن نتائج التحصيل العلمي لطلابهم ،واعدادهم للدروس،والخطط،ويحضر مع بعضهم حصص المعاينة ،فيتعرف على طرق التدريس المتبعة،والوسائل التعليمية ،وتنظيم الوقت ،واساليب التقييم والتقويم المدرسي....الخ.
كما يهتم بالاطلاع على عمل الإدارة المدرسية ،وتقييم تأديتها لواجباتها .
وفي نهاية الزيارة لايفوته عقد لقاء مع المواطنين ،فيوجه الشكر لهم على الجهود التي يبذلوها في استقرار وتحسن العمل التربوي والتعليمي ،والاشادة أمامهم بجهود الإدارة المدرسيه والمعلمين ،وتعاونهم في فتح صفوف محو الاميه وتعليم الكبار،ويحثهم على إلحاق أبنائهم بمؤسسات تأهيل وتدريب المعلمين قبل وأثناء الخدمه ،ويحرص على الاجابه على ملاحظاتهم واستفساراتهم ،ويعدهم بنقل ومتابعة مطالبهم مع الجهات المختصه في المديرية ،فيحظى معهم بعمق العلاقة والثقة ،فيغدو اكثر تواضعا واحتراما لذاته ،واقوى إرادة في مواجهة الصعاب ،واوسع شعورا بالمسؤوليه..
لقد كان الاستاذ ناجي احمد محسن مثقفا،ويجعل من التعليم تربيه ،فيكتشف من خلالها المواهب والمبدعين ،ويكسبهم حظا-يكبر أو يصغر -من الذكاء الأوفر ،ويصنع لهم مناخا مدرسيا مثاليا،ويمنحهم الثقة بأنفسهم ،ويخوض بهم المسابقات الفكرية والثقافيه والعلمية والرياضية،وكثيرا ماكسب تلك المسابقات ،فرفع بها سمعة المديرية بين الأوساط التربوية والتعليمية ،ونال بها التقدير والاحترام من الجهات المسؤوله، والاوساط الاجتماعية ...
كانت للاستاذ ناجي احمد محسن أعمالا شعرية ومسرحية ،واتمنى على أولاده الاعزاء نشرها ،لانها تمثل مواقفه الوطنية والمتقدمة من مختلف جوانب الحياة العديدة ،ويستمد منها الصحه للروح والعقل والبدن ،والطاقة للإستمرار ،ومكتسبا الاحترام والتقدير من مختلف شرائح المجتمع،وفئاتهم العمرية ،فانتخب رئيسا لنادي حالمين الرياضي،والرئيس المؤسس لمنتدى حالمين الثقافي،وحصد العديد من الجوائز والشهادات التكريمية ،وعلى مستوى المديرية والمحافظه والسلطة المركزية ....
واخيرا ...كم وددت أن يطول بي سفر الذكريات ،غير أن المجال هنا لايسمح باكثر مما اسعفتني به الذاكرة ،ولاترك فرصه للزملاء الآخرين للتعويض عن أي نقص ،وننشد جميعا الوصول إلى بعض من الصفات والمميزات التي كان عليها فقيدنا ،ولمثل هذا الخير والمقام الوطني فليتنافس المتنافسون ،واما الجزاء الأوفر ،والاثابة الكاملة ،فاننا نطلبها له من الله سبحانه وتعالى .